كلماتُ ما بَعدَ الرَّحيل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد

إلى القارئ الكريم

تمرّ في الحادي عشر من سبتمبر لهذا العام عشر سنوات على رحيل الفقيد الحبيب ماهر عبدالله

وبالإشارة إلى المقدمة النثرية التي تسبق القصيدة أدناه، فقد كُتبت عندما نشرت للمرة الأولى قبل خمس سنوات في صحيفة العرب. وحيث إنّها لم تعد موجودة على موقع الصحيفة الإلكترونيّ، فها أنا أقوم بإعادة نشر القصيدة التي عزّيت نفسي بها فيه بُعيد رحيله


في رثاء المغفور له إن شاء الله

ماهر عبدالله

 

في يوم الخميس 9/ 9/ 2004 كان آخر لقاء مباشر لي مع صديقي، وحَمَايَ بعد وفاته، ماهر عبدالله رحمه الله. وكان آخر عهدي به إشارةٌ صامتةٌ بيده لتذكيري بالتحوّل من النادي الدبلوماسيّ، حيث ختام المؤتمر القوميّ العربيّ في الدوحة، وذلك للقاء في مكان آخر مع ضيوف المؤتمر الذين يعرفهم جميعاً ويعرفونه كافّة.

لم أجب تلك الدعوة، ولذلك فإنّني لم أره بعدها حتى وافاه الأجل المحتوم، إلا وهو مُسجّىً على سرير المشرحة في المستشفى وقد تكلّلت جبهته العريضة بالدماء. ولكنّني أذكر جيداً أنه عندما أشار إلى المكان الآخر، كانت إشارته بإصبع الشاهد متجّهاً إلى السماء. ولعلّه من حيث لا يشعر كلانا، أراد تذكيري، وربّما مواساتي مُسبقاً، بأنّنا إن لم يكتب لنا اللقاء على هذه الأرض، فثمة موعدٌ آخر سيجمعنا في السّماء.

ذكَرْتُ بعدها حادثة جرت لي مع الفقيد، وذلك غداة علمتُ بوفاة الدكتور محمد قطبة رحمَهُ الله، والذي أثّرت وفاته المفاجئة في كلّ من عرفوه. وكان ماهر نفسه من جملة معارفه المقرّبين منذ أيّام دراستهما في بريطانيا وانشغال كليهما في العمل الإسلاميّ.

فعندما أخبرت بالخبر ماهر، الذي قلّما بدا عليه التأثر العاطفيّ، ركبنا سيارتي لحضور صلاة الجنازة على الدكتور. وكان أخشى ما خشيته لحظتها أن يقول كلاماً عقلانياً أكثر من اللازم فيُخرجني عن طوري في تلك الفاجعة، إذ لم تكن بضع ساعات قد مضت على رحيل الدكتور الحبيب.

إلا أنّ ماهر حالما ركب السيّارة قال بلهجته الفلسطينيّة المحبّبة:”شايف يا أستاز (أستاذ). هيك (هكذا) الموت، ما بيفرّق بين كبير وصغير!”، وبينما كنت أخشى عليه من ثورتيْ إذا استرسل في الكلام، أردَفَ قائلاً “ياالله… إذا كان من أهل الجنّة، فالواحد لازم يفرح له… وإذا كان من أهل النار، فما بيستاهل نبكي عليه؟”.

وكأنما صبّ على رأسي بكلماته تلك سطلاً من الماء البارد.

فعلاً… أليس هذا هو ما ينبغي أن يكون عند استقبالنا لمصيبة الموت! فعلامَ نحزن على من كانت حياته ابتغاء وجه ربّه، وفيم نذرف الدمع على من لم يعرف الله في حياته!

لقد كانت كلمات الغالي أبي أسامة أكثر ما عَزّاني على رحيل الغالي محمد قطبة. والعجيب، أن تكون تلك الكلمات ذاتها هي نفسها التي استدعيتها عندما أزفت ساعة رحيله. إذن، لقد كان يواسيني قبل موعد الرحيل، بأن لا تحزن، فما من حاجة للحزن على من تعلم صدق مسيرته في طريق العودة إلى بارئه.

لقد أرّخَ الكثيرون لوفاة أبي أسامة رحمه بتزامنه مع الحادي عشر من سبتمبر 2004، دون أن يُدركوا أنه صادف ذكرى الإسراء والمعراج في ليلته التي التحق فيها بالرفيق الأعلى.

الآن، أقول له وفاءً لصداقته التي ما برحت تكبر في أفئدة من يحبونه: أسأل الله تعالى أن يُعلِيَ ذكرك بالخير في الأرض وفي السماء، مهما حاول الأقزام إخماد جذوته. وأتضرع إليه تعالى أن يجمعنا بك في ظل عرشه ومستقر رحمته {مَعَ الذِينَ أنْعَمَ اللهُ عَليْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ والصَّالِحِينَ، وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} آمين.

*       *       *

MaherAbdullah01-Poem-KhalidAlMahmoud

MaherAbdullah02-Poem-KhalidAlMahmoud

MaherAbdullah03-Poem-KhalidAlMahmoud


Published by خالد المحمود • Khalid AlMahmoud

خبير في التفكير والتطوير والتعبير • Expert in Thought, Growth & Expression

One thought on “كلماتُ ما بَعدَ الرَّحيل

شاركنا رأيك

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.